لمن لا يعرف و خاصّة لمن لا تعرف صاحب الفضل فيما وصلت اليه المرأة التونسية من مكانة اليوم ، يقدم منتدى " انا تونسي و راسي عالي " في اطار سلسلة أعلام من تونس نبذة عن حياة المفكر و السياسي و النقابي الطاهر الحداد .
ولد الطاهر بن علي بن بلقاسم الحداد سنة 1899 بتونس العاصمة، حيث استقر مع والده بعد نزوحهما إلى العاصمة من حامة قابس مسقط رأسيهما . نشأ في وسط متواضع و تلقى تعليمه في الكتّاب، ثم بجامع الزيتونة وله من العمر 12سنة . بعد وفاة والده سنة 1920 غادر الحداد جامع الزيتونة إثر حصوله على شهادة التطويع ليشتغل ماسك دفاتر وكاتبا بالجمعية الخيرية. ثمّ في عام 1921 التحق بمدرسة الحقوق العليا التونسية وكان مهتما بالنشاط السياسي والنقابي في إطار الحزب الحرّ الدستوري القديم حتّى عام 1930.
بدأ حياته كاتبا في جرائد «الأمة» و«مرشد الأمة» و«أفريقيا» ولم يكن يعرف أن تلك الكتابات ستحول إليه الأنظار وتكون محل نقاش واخذ وعطاء بين زعماء البلاد في تلك اللحظة مما دفع الشيخ عبد العزيز الثعالبي يصطفيه من زمرة قليلة ليكون أحد مؤسسي الحزب الحر الدستوري التونسي وذلك سنة 1920 , بل كانت كتاباته في الجرائد وسطوع اسمه فيها سببا لتكليفه بالدعاية والإعلام في ذلك الحزب. فكان أحد أبرز الأحرار الدستوريين. هاجر الثعالبي إلى المشرق العربي 1923 وترك فراغا كبيرا في البلاد اشعر الحداد باليتم وبلا جدوى مواصلة المسيرة مع زمرة حادت عن المبادئ الأولى لحزب لدستور.
جاء محمد علي الحامي بأفكار لا تتسع لها البلاد وأراد أن يقيم الدنيا ويغيّر الطبائع فكان الحداد عضده الأيمن ورأسه المفكر وعينه التي يرى بها الأشياء فأسس معه جامعة عموم العملة التونسية سنة 1924 ولم يكتب لتلك الحركة أن تعمّر طويلا بل سرعان ما بادرت سلطات الاستعمار إلى حلها في فيفري 1925. لم ييأس الحداد بل واصل النضال وأرخ لتلك الحركة في كتابه الأشهر «العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية» (1927) الذي صادرته سلطات الاستعمار ومنعت تداوله.
واصل الحداد النضال ورأى أن الإصلاح لا يقوم بغير الصلاح: صلاح الناس والأفكار... فكتب لإصلاح العائلة والمنزل وتحرير المرأة فقامت ضدّه الرجعية الفكرية حيث جرّد من شهائده العلمية ومنع من حق الزواج وممارسة أبسط حقوق المواطنة وطالبوا بإخراجه من الملّة واخرج قسرا من قاعة الامتحانات ومنع من العمل بسبب كتابه المشهور" امرأتنا في الشريعة والمجتمع " سنة 1930. واصل النضال وكتب كتابا عن إصلاح التعليم الزيتوني تحت عنوان التعليم الإسلامي وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة كما صدر له كتاب تضمن أشعاره وآخر تضمّن خواطره، وثلاثتها لم تر النور إلا بعد وفاته وبعد سنوات من الاستقلال.
في هذه الفترة -كما ذكرنا- ألف كتابه " امرأتنا في الشريعة والمجتمع " وبسبب هذا الكتاب حرم الحداد من الحصول على شهادة الحقوق وطرد من قاعة الامتحان بأمر ملكي لما احتواه هذا الكتاب من تجرأ على ثوابت الدين. هاجم العلماء والمشايخ والمفكرون بشدة كتاب حداد وكان على رأس منتقديه الشيخ محمد الصالح بن مراد الذي ألف كتابا للردّ عليه بعنوان: "الحداد على امرأة الحدّاد". والشيخ عمر البرّي المدني الذي ألف كتابا بعنوان "سيف الحق على من لا يرى الحق"، وتوج هذا الهجوم بفتوى وقعت من لجنة يرأسها العلامة الطاهر بن عاشور وانتهت إلي تكفير الحداد و مطالبة السلطة بحجز الكتاب. كما شنت الصحافة التونسية وبعض الصحف المشرقية حملة شرسة ضد الكتاب وصاحبه، كصحيفة " الزهرة " و" الوزير " و" النهضة " ، ومن بين عناوين المقالات "حول زندقة الحداد" و"موقف الصحافة العربية حول نازلة الطاهر الحداد" و"خرافة السفور" و"أين يصل غرور الملحدين". بسبب هذه الوقفة القوية من علماء تونس وبعد أن نبذه المجتمع وسخط عليه الشعب التونسي، آثر الحداد الانطواء والعزلة على الظهور إلى أن توفي يوم 7 ديسمبر 1935م.
توفي الحداد يوم 7 ديسمبر 1935 ولم يسر في جنازته سوى نقر قليل من إخوان الصفاء وخلاّن الوفاء. بقيت كلماته ترنّ في الآذان وصدى صوته يتردّد داخل الأنفس إلى أن جاء الاستقلال وتحولت كلماته إلى قوانين ملزمة للأفراد والجماعات وأقيمت له الذكريات وأطلق اسمه على الانهج ودور الثقافة والمساحات العمومية وألفت حوله الكتب ونال في عهد التغيير وشاح الاستحقاق الثقافي. أصرّ صديقه الصحفي الهادي العبيدي أن يكتب على ضريحه: هذا ضريح شهيد الحق والواجب المصلح الاجتماعي الطاهر الحدّاد.
كان وطنيا غيورا لأنه لم يشأ لوطنه أن يرزح تحت عبودية العادات الفاسدة والأوهام البالية والأفكار الظلامية والآراء الرجعية ومثله سعد زغلول في مصر. انتمى الحداد إلى عديد الجمعيات الثقافية لإيمانه أن للجمعيات الدور الأكبر في النهوض بالأفكار وتكريس النور مكان الظلام فكان نبيّا مجهولا في عصره وأصبح إماما متبعا بعد وفاته. قال عنه عميد الأدب العربي طه حسين بعد الفراغ من قراءة كتابه: لقد سبق هذا الفتى قومه بقرنين.
وقد كان من جملة ما دعا إليه الحداد في كتابه: الدعوة لتحرر المرأة المسلمة مما زعم أنها قيود تكبلها داخل مجتمعاتها، والمطالبة بالطلاق المدني وألا يكون من حق الرجل فقط الذي قد يسيء استخدامه ولكن يرجع فيه القول الفصل إلى القضاء، ، ودعا إلى ممارسة المرأة الألعاب الرياضية وأن تقبل على هذه الألعاب وأن تسعى لمجاراة أختها الأوربية في تقوم به.
انتهت هذه الأفكار إلى القانون الوضعي التونسي في مجلة الأحوال الشخصية الصادرة في 3 أوت 1957 حيث:
* أقر بأهلية المرأة لتزويج نفسها مما يستحيل معه حرمانها من الزواج أو تزويجها دون رضاها.
* منع تعدد الزوجات إذعانا للشرط الإلاهي بوجوب العدل واحتراما للجزم الإلاهي باستحالته وسعيا لضمان استقرار الأسرة التونسية.
* أقر الطلاق القضائي حتى لا تطلق يد الرجل في التطليق مع إقرار إجراءات مصالحة قضائية وآجال تفكير وذلك في ثلاث حالات:
1. التراضي بين الطرفين
2. الضرر الواقع على أحدهما
3. طلب احدهما التطليق من القاضي، وفي هذه الحالة على طالب التطليق دفع غرامة للطرف الثاني
كما أنتهت إلى القوانين المؤطرة للمنظومة التربوية التي أقرت المساواة بين الجنسين في التمتع بحق التعليم المجاني والإجباري منذ سنة 1958، وانتهت إلى القانون الانتخابي الذي أقر حق المرأة في أن تكون ناخبة ومنتخبة منذ السنوات الأولى للاستقلال، وانتهت إلى قانون الشغل والوظيفة العمومية الذين لا يقران أي تمييز في الاجور أو الامتيازات بين المراة والرجل بل ويقران عديد الامتيازات للمرأة الأم.